تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. logo الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
149078 مشاهدة print word pdf
line-top
ملك الموت من جنس الملائكة

...............................................................................


والحاصل أن ملك الموت من جنس الملائكة الذين سَخَّرَ الله تعالى لهم الأرض, وقَرَّبَهَا إليهم، ثم هناك كلمة الموت, يعني: الموت الذي هو قبض الأرواح, أو خروج الأرواح. هذا الموت قيل إنه خلق من خلق الله، وليس هو الملك, وهو الذي يُذْبَحُ بين الجنة والنار, ويُقَال: يا أهل الجنة خلود فلا موت, ويا أهل النار خلود فلا موت, وهو كما يشاء الله تعالى نؤمن بذلك، ونُصَدِّقُ بما أخبرنا الله تعالى به من جنس خلق الملائكة, ومن جنس موت الإنسان, وموت ما شاء الله تعالى من الحيوانات. والله تعالى أعلم.
من جنس الملائكة .. ملك الموت ذكره الله تعالى .... وقد ورد في ذكره أدلة وأحاديث, مر بنا أن الله تعالى يزوي له الأرض حتى تكون أمامه كالطست, ينظر إلى أقصاها وأدناها في لحظة واحدة، يقبض مَنْ أمره الله تعالى بقبضه من الأموات ونحوهم. ذُكِر في هذه الآية أنه مَلَكٌ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ وذكر في آية أخرى الملائكة في قوله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ قيل: معناه: إذا جاءه ملك الموت توفته رسلنا، ويكون المعنى: أن ملك الموت يقبض روحه، ثم تقبض تلك الروحَ ملائكةٌ يرسلهم الله تعالى فيتوفونه.
ورد دليل ذلك في حديث البراء الطويل وفيه: أن العبد إذا كان في إقبال من الآخرة, وانقطاع من الدنيا, نزلت إليه ملائكة بيض الوجوه, معهم أكفان من الجنة, وحنوط من الجنة, وياسمين من الجنة, فيقفون منه مد البصر, ويأتيه ملك الموت, فيجلس عند رأسه ويقول: اخرجي أيتها الروح الطيبة, كانت في الجسد الطيب, اخرجي إلى روح وريحان, ورب غير غضبان, فَتُسَلُّ روحه من جسده كما تُسَلُّ الشعرة من العجين، فإذا قبضها لم يَدَعْها في يده طرفة عين, حتى يجعلها في ذلك الحنوط, وفي تلك الأكفان, وذلك الياسمين, ويصعدون بها إلى السماء, فيخرج منها كأطيب رائحة مسك وجدت على ظهر الدنيا إلى آخر الحديث.
وذكر ضد ذلك في روح الكافر, وعلى هذا فيكون قوله: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا المعنى: قبضوه بعدما يقبض ملك الموت روحه, أخذوا روحه وجعلوها بتلك الأكفان, وفي ذلك الحنوط, ونحوه، هذا هو محمل قوله: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وإلا, فإن الأصل أن الذي يتوفاه هو الذي يقبض روحه.
أما قوله تعالى: وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ فهذا قول الملائكة. قيل: إن هذا عند الاحتضار: أن الملائكة تقول للمحتضر: أَخْرِجْ نفسك, وللمحتضرين: أخرجوا أنفسكم, وأن الذي ينتزعها ويُخْرِجُهَا هو ملك الموت الذي يقبض الأرواح، وعلى هذا يكون الذي يقبضها ملك الموت, والملائكة جنسها هم الذين يقولون: أخرجوا أنفسكم, ويكون قوله: بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ إما أنهم بسطوا أيديهم حتى يقبض تلك الروح بعدما تخرج من جسدها، وإما أنهم باسطو أيديهم بالعذاب لأرواح الكفار, وبالثواب والنعيم لأرواح المؤمنين.
والأصل في قولهم: باسط يده: أن المراد إما البسط للعطاء, وإما البسط بالعذاب. في قول الله تعالى: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فبسط اليد هاهنا أي: كثرة الإنفاق, ولكنه لا يناسبها هنا في قوله: وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ فيكون المراد: أنهم باسطو أيديهم لقبض هذه الأرواح, سواء أرواح المؤمنين فَتُنَعَّمُ, أو الكافرين فتعذب، وأما قول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى هذا قد يقال: إن الذي يتوفاهم هو الله, وهو الذي يتوفاكم بالليل, ويعلم ما جرحتم بالنهار.
فالله تعالى هو المالك لكل شيء, وهو الذي يدبر الأمور, فهو سبحانه الذي يأمر الملائكة فتقبض هذه الأرواح، ويكون القبض بأمر الله تعالى. فيكون قوله: يَتَوَفَّاكُمْ يعني: بقبض أرواحكم, تقبضها الملائكة, وتستخرجها من الأبدان بإذن الله. وهكذا قول الله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فالله هو خالق الخلق, وهو الذي يتوفاهم, وهو الذي يقبض أرواحهم, مع أنه وكل ملائكة يقبضونها بأمره, ولا تموت نفس وتخرج من الدنيا إلا بأمره سبحانه, يقول الله تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ .
فالأعمار بيد الله, إذا قدر الله أن هذا يموت مات في الأجل المحدد له, وهو الذي يأمر بقبض روحه, والملائكة تقبض الروح بأمره وبإذنه، فأسند القبض إليه بهذه الآية اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وفي قوله: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ فإذا أسند الأمر إليه فإنه هو تعالى مسبب الأسباب وهو خالق كل شيء، إذا قلنا: الله هو الذي يقبض الروح أو قلنا: قبض الله روحه، فإن روحه خرجت بأمر الله وبقضائه وأرسل إليها ملك الموت وقبضها الموت ملك الموت وقبضتها أيضا الملائكة الذين قبضوها وأخذوها من ملك الموت فلا منافاة بين هذه الآيات.
إذا قلنا: الله هو الذي يقبض الروح أو يقبض الأرواح ملك الموت، أو الملائكة هم الذين يقبضون أرواح العباد, فالجميع لا منافاة بين ذلك, بل كلها يصدق عليها أنها متفقة, الله هو الذي يقبضها, يعني: بأمره، والملك هو الذي يقبضها، وهو الذي وُكِّلَ بها قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ وأعوانه هم الذين يقبضونها بأمره, يأخذونها من أيديه، ثم يرسلونها إلى حيث شاء الله. قد عرفنا أن الأرواح التي تحيا بها الأجساد قد حجب الله عنا صفتها, فليس أحد يتصور أو يتمثل صورة هذه الروح التي هي خلق من خلق الله, عجز البشر أن يعرفوا ماهيتها، ولذلك لما سأل المشركون نبي الله صلى الله عليه وسلم: أَخْبِرْنَا عن الروح, ما هي الروح؟ أنزل الله تعالى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا من أمره, يعني: بأمره, توجد بأمره, وتُخْلَقُ بأمره، فهي من أمره, أي: خلقت بأمره, وكل شيء يُخْلَقُ بأمر الله, قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
فهي مخلوقة بأمر الله سبحانه, وتدخل في جملة المخلوقات, في قوله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فالأرواح شيء, فهي مخلوقة, وكل مخلوق فالله تعالى هو خالق له، ولا شك أنها شيء موجود، ولكن قصرت عنها معرفتنا, لم نَدْرِ من أي شيء هي؟ إذا خرجت روح الإنسان من جسده وحوله أهله ما رأوها, ما أبصروها.

line-bottom